واقع البحث العلمي في الجزائر (2) : حقيقة الفجوة بين البحث والتنمية ومعوقات التقدم العلمي في الدول النامية

677

 بقلم: معاذ بن عمار، طالب دكتورة

مجال: البحث الطبي و البيولوجي

باحث، مركز الترقي

ملخص

في هذا المقال الثاني ضمن سلسلة المقالات حول”واقع البحث العلمي في الجزائر”، يقوم الباحث بقراءة عامة وموضوعية لحالة البحث العلمي في الدول العربية عامة، والجزائر خاصة، بمنظور المواطن البسيط، محاولا تسليط الضوء على العوامل الرئيسية التي تلعب دورا هاما في مستوى البحث العلمي في الدول النامية. وهذه العوامل تمثل أهم العقبات والصعوبات التي ساهمت في إحداث فجوة حضارية بين الدول. وقد طرف الباحث جملة من التساؤلات المهمة حول البحث وحول بنية “السوق العلمي البحثي” والتي سيتم التفصيل فيها في المقالين الآتيين لنفس الباحث بعنوان “حقيقة البحث العلمي ومعوقاته في الدول النامية”، و”دور البحث العلمي في التنمية الإقتصادية والإجتماعية”.

مقدمة:

لا يختلف اثنان أن القوة الإقتصادية هي العمود الفقري لتطور ونمو أي دولة أو إقليم أو حضارة. ويتمثل الإقتصاد في عدة ركائز أهمها الزراعة والصناعة والتجارة وحتى السياحة. وهذه الركائز متوفرة بدرجة متفاوتة بين الدول حسب الموارد البشرية والطبيعية من جهة، والأنظمة السياسية والإقتصادية المتبعة من جهة أخرى. ولكن القاسم المشترك بين الدول المتطورة التي جعلها تتصدر عرش الإقتصاد العالمي هو التركيز على التطوير المتواصل للبنى التحتية والتكنلوجية في كل المجالات والقطاعات. وهذا الأخير لا يتم إلا، وبكل بساطة، بالبحث العلمي.

في هذا المقال، سنحاول أن نسلط الضوء على العوامل الرئيسية التي تلعب دورا هاما في مستوى البحث العلمي في الدول النامية، وهذه العوامل تمثل أهم العقبات والصعوبات التي ساهمت في إحداث فجوة حضارية بين الدول. هذا المقال لا يعتبر تقيما أو نقدا مباشرا للسياسات والمؤسسات الحالية وإنما قراءة عامة وموضوعية لحالة البحث العلمي في الدول العربية عامة، والجزائر خاصة، بمنظور المواطن البسيط.

تأملات وتساؤلات:

إعتاد المواطن على أخبار متنوعة هنا وهناك عن إختراعات وابتكارات محلية سواء على مستوى الإنجاز الفردي أو الجامعي، ولكن لا يكاد يمر طيف هذه الأخبار المشجعة إلا ويرافقها جو من الإرتياب والشك من جهة، والتشاؤم بمستقبل هذا الإنجاز من جهة أخرى. فالإبداع والإختراع، ولله الحمد، موجود في الوطن العربي بدرجات متفاوتة طبعا، ولكن الطامة الكبرى أن فلسفة تطبيقه في تطوير الصناعة والإقتصاد المحلي وفائدة المجتمع شبه غائبة. الإبداع ليس حكرا على العقل الغربي أو الياباني دون العربي، ولكن هيهات أن يقطف الإقتصاد ثمار هذا الإبداع دون أن تدب روح ثقافة الإبتكار المحلي وأهميته في أرجاء المجتمع عامة: من أروقة البرلمان، إلى مكاتب المستثمرين، مرورا بمخابر الجامعات ومكاتب الثانويات وصولا إلى المواطن البسيط.

هذا الإكتئاب الذي يطغى على ذهن المواطن والباحث العربي على حد سواء كلما ذكر موضوع البحث العلمي ما هو إلا إنعكاس لواقع حتمي كتب علينا أن نعيشه، نبرع في التفصيل في عيوبه، ولا حول لنا ولا قوة على تغييره.

ماهي العوامل المؤثرة والعقبات والصعوبات التي تواجه البحث العلمي في الدول النامية بصفة عامة؟  وهل تعتبر هذه العوامل بلوى حتمية تصيب دول العالم الثالث أو السائرة إلى طريق النمو؟  أم يمكن تخطيها بفلسفة وسياسة ممنهجة؟ وما هي الدول التي سارت على هذا المنهاج وكيف؟ كيف يمكن للبحث أن يساهم في نمو الإقتصاد الوطني؟  ونظرا لتكلفته الباهظة، هل يمكن للبحث أن يكون أولوية في البلدان النامية؟ وهل من المنطقي أن تركز الدول النامية جزءا من ميزانيتها المحدودة على البحث العلمي على حساب الأمن الغذائي مثلا؟  وهل يمكن تقييم مستوى الإنتاج العلمي في الدولة العربية مثلا على أنه تدهور وتأخر، أم عدم قدرة على مواكبة الحركة العلمية العالمية المتسارعة؟

آدم سميث، الأب الروحي للرأسمالية والإقتصاد الحديث، في كتابه الشهير بعنوان “ثروة الأمم” الذي ألفه قبيل الثورة الصناعية الأوربية، قام بتسطير أسس علمية للإقتصاد السياسي والتي لا تزال تكتب بحبر من ذهب حتى في القرن الحادي والعشرين. لو قمنا بإسقاط ركائز الإقتصاد التي ذكرها على مجال البحث العلمي في وضعنا الحالي لوضع القارئ يده على الجرح وتوضح له وبكل ألم لب المشكلة وصميمها:

هل هناك حافز حقيقي يجعل المجتمع يؤمن بأهمية البحث؟ وهل بنيت “السوق العلمي البحثي” على أسس يمكنها تحويل رغبات وأفكار الباحثين إلى مصلحة عامة للمجتمع؟ هل هناك منافسة بناءة بين المؤسسات العلمية؟  هل الهيئات العليا على إطلاع برغبات المؤسسات البحثية وأهدافها؟ هل يقتصر تدخل السلطات في البحث العلمي على دور تنظيمي وقضائي بحت أم هو أكثر من ذلك؟ هل هناك إهتمام ملموس للدولة أصلا؟

هل يرى المجتمع البحث على أنه كمالي أم ضروري؟ هل يثق المجتمع في إنجازات وإبداع أفراده؟ هل يفضل المواطن البسيط شراء مصنوع أو منتوج محلي على أجنبي إن تساويا في الثمن مثلا؟

يلح أدم سميث على أن المصلحة الفردية هي المحرك الإقتصادي الأساسي للمجتمع، فهل هناك مصالح يمكن أن تجنيها المؤسسات المحلية من الإبداعات الفردية؟ علاوة على ذلك، فمن المعلوم أن قانون العرض والطلب يفرض توازن الأسعار وينظم ويشجع حركة الإستثمار الداخلية التي بدورها تساعد على تشغيل اليد العاملة والزيادة في الإنتاج المحلي. فهل تعتمد الشركات الوطنية على منتوجات محلية؟ وهل هناك إستثمار محلي في مجال البحث العلمي الجامعي؟

هذه التساؤلات وغيرها سيتم التفصيل فيها في المقالين الآتيين بعنوان “حقيقة البحث العلمي ومعوقاته في الدول النامية”، و”دور البحث العلمي في التنمية الإقتصادية والإجتماعية”.

ماذا تقول الأرقام عن حال البحث العلمي في الوطن العربي؟[i]

مما لا يخفى على أي شاب جزائري أن مكانة البحث العلمي أعلى بكثير مما ترصده الدولة من إمكانيات. وكما هو الحال في أغلب البلدان النامية، فإن البحث الجامعي في جل المجالات لا يرقى إلى المستوى الأدنى المطلوب خاصة إذا ما قورن بمقدرات الدولة، كما أن واقع النشاط البحثي لا يعكس البتة ما تملكه الجزائر من ثروات مادية وقدرات بشرية.

إن استخدمنا نسبة الأوراق البحثية المنشورة كمقياس للإنتاج العلمي، فإن هذه النسبة في الجزائر خلال العشر سنوات الممتدة بين سنة 2003 و2012 تستمر في تطور ملحوظ يضاهي دول الجوار، بنسبة تمثل حوالي عُشر ما أنجزته الدول العربية خلال هذه الفترة. إضافة إلى ذلك، إذا ما قارنا الإنتاج العربي عامة، والجزائري خاصة، بالدول الإسلامية المجاورة لسنة 2015 فإننا نجد تفوقا واضحا لكل من تركيا وإيران، الذي ازداد تضخما خاصة في السنوات الأخيرة، بمعدل إنتاج يكاد يساوي مجموع الإنتاج العربي مجملا رغم أن تعداد سكان تركيا أو إيران لا يكاد يتجاوز تعداد سكان مصر لوحدها فضلا عن بقية الدول العربية!

ولكن رغم إرتفاع الإنتاج العربي خلال السنوات الأخيرة بنسبة معتبرة وتضخم إنتاج بعض الدول الإسلامية كتركيا وإيران، فإن هذه الأرقام وبطبيعة الحال تقف خجلا إذا ما قورنت بالدول المتقدمة كأوروبا والولايات المتحدة والهند والصين واليابان.

إحصائيات حديثة [ii]، [iii]، [iv]:

قام موقع Ranking Web of Universities التابع لمركز CSIC، وهو أحد أكبر المراكز البحثية في إسبانيا، بنشر سلسلة من الأبحاث والإحصائيات التي تتضمن ترتيب الدول من حيث إنتاجيتها العلمية لعام 2017، قام الموقع بإستخدام نسبة الأوراق المنشرة والتي تم إحصائها عن طريق Google Scholar Citations .

وحسب هذا الترتيب، وللأسف من دون أي مفاجئة، فإن قائمة الألف الأولى لا تحتوي على أي جامعة جزائرية. بينما تتضمن قائمة الـ 5000 على 30 جامعة جزائرية منها جامعة سيدي بلعباس كأول جامعة في الجزائر، بمرتبة 2129 عالميا، تليها جامعة هواري بومدين (2197) ثم قسنطينة (2523) فتلمسان (2613)، فورقلة (2702).

أما بالنسبة لأشهر تصنيف عالمي التابع لمجلة التايمز، فأكد آخر إحصاء لعام 2017 أن الجزائر خارج التصنيف العالمي، ولم تحتل أي جامعة جزائرية القائمة 800 عالميا. رغم ذلك فإن جامعة تلمسان، وهي الجامعة الجزائرية الوحيدة التي ورد ذكرها في القائمة، فقد تذيلت هذا التصنيف باحتلالها مرتبة متدنية حتى في التصنيف العربي والإفريقي.

يرى البعض أن هذا التصنيف نتيجة توقعها معظم الخبراء والباحثين في واقع عربي مثقل بالأمية والفقر وتدني معدلات التنمية، فضلا عن سوء إدارة لقضية التعليم وانشغالها بصراع سياسي وحروب تضرب البلاد العربية، خاصة نتيجة الربيع العربي الذي تحول إلى كابوس مرعب كان التعليم والجامعات أحد أبرز ضحاياه.

العوامل المؤثرة على البحث العلمي في الدول النامية [v]،[vi]:

صرحت صحيفة الإيكونوميست (Economist) البريطانية في مقال لها بعنوان “الإخفاق العربي” بأن وضع التعليم يثير القلق ووصفت فجوة التعليم بين العالم العربي والغربي بالمخيفة. وألحت على أولوية الحكومات في اتخاذ تدابير وأساليب عاجلة للتغلب على عقبات التعليم وحل ومشكلاتها المتجذرة.  وأشارت الصحيفة في مقال آخر[vii] بعنوان “مأساة العالم العربي” بأنه في ظل غياب السوق الحرة، والشركات ذات المعايير العالمية، فإن الشخصيات العربية إن أرادت أن تبرع في التجارة أو العلم، فلا حل لها إلا الهجرة.

أما بالنسبة بمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، فقد أكدت في تقرير لها [viii] أن مشكلة التعليم العالي في الوطن العربي يمكن أن تتلخص في:

إمكانات الدول المادية وجودة التعليم في كل منها؛

طغيان المناهج النظرية في المنظومات التعليمية؛

الأساليب المستخدمة في التطبيق بدائية جدا وتقليدية؛

عدم قدرة الطلاب على الإستفادة من المحتوى التعليمي المقدم لهم حيث يتم تخريجهم وهو ليسوا على دراية بما يجب أن يفعلوه بعد التخرج؛ إضافة إلى إنخفاض نسبة استكمال التعليم بسبب عدم وجود فرص عمل مناسبة للخريجين.

هناك عدة عوامل تؤثر على سير منظومة البحث العلمي وتنتشر بنسب متفاوتة في مختلف دول العالم حتى المتقدمة، ولكن تراكمها في مكان واحد يعتبر عائقا يعرقل أي محاولة لإدماج البحث العلمي في سياسة التنمية الإقتصادية ويجعل إقتصاد البلد حبيس مقدراته وموارده الأولية الخامة بشكل أساسي.

العوامل الآتية لا تعبر بالضرورة على واقع دولة محددة وإنما تمثل نظرة شاملة لبعض العوائق المؤثرة على سير البحث العلمي بصفة عامة.

أولا، إن أهم معوقات البحث العلمي تتجلى في التقليل من قيمته سواء من الإدراة أو المجتمع، ويؤدي هذا التجاهل وإن كان جزئيا إلى غياب التخطيط الجدي وإيجاد فلسفة بحثية بعيدة المدى لتمويل وإنجاح المشاريع الجامعية بغية ربطها بالتنمية المحلية. إن لم يعي صناع القرار قيمة البحث وأثره المباشر على الزراعة والصناعة، فلن يعمل جاهدا على تمكينه وتمويله.

غياب مراكز للدراسات الإستراتيجية سواء كانت خاصة أم حكومية التي تقيم موارد ومقدرات الدولة الطبيعية والمالية وتربطها بمتطلبات السوق، يجعل المؤسسات تفتقر إلى سياسة بحثية محددة المعالم والأطر والأهداف والوسائل. عدم وجود بيانات متجددة عن النشاط البحثي، خاصة تلك التي تسلط الضوء على كيفية إستغلال النتائج البحثية الحديثة في البرامج التنموية ونتيجة ذلك في كل المجالات يصعّب من عملية الترويج والتسويق للبحوث الناجحة. فإن لم يرى السياسي أو رجل الأعمال المحلي والأجنبي نتائج ملموسة للبحث العلمي وفرصة مالية من دعمه لتلك المشاريع، فلن يسعى الأول إلى تطوير برامج سياسية ولن يسعى الثاني إلى الإستثمار في بحوث مماثلة تضاعف هذا الإنتاج داعما بذلك التنمية المحلية.

ولكن اللوم كله لا يقع على السلطات فحسب، حيث يرى العديد أن البحث العلمي ترف فكري وعملي لا يقتضي إضاعة المال والوقت فيه!

إن فلسفة البحث العلمي تبدأ من الصفر، حيث يتم تدريب وتوعية عقول التلاميذ من نعومة أضافرهم على الفضول العلمي وطرح الأسئلة ودراستها بإتباع خطوات المنهج العلمي.

ثانيا، لو سألت أي باحث في أي مخبر في أمريكا، ألمانيا، اليابان، أو في أي دولة دون إستثناء، عن العائق الرئيسي الذي يواجه البحث العلمي لأجابك بكل بساطة: التمويل.

البحث العلمي عمل مكلف، خاصة في المجالات الطبية والتكنلوجية. قد يحتاج البحث الواحد إلى ملايين الدولارات وعشرات السنين حتى يؤتي ثمره بما يفيد المجتمع. ولكن نظرا لأهمية العائد من تلك البحوث سواء كان ماليا أو علميا بحتا، فإن الحكومات والجامعات والشركات الدول الغربية جعلت البحث أولوية لا نقاش فيها وتبنت سياسات مختلفة كإنشائها لصناديق تعاونية بحثية خاصة تؤمن استمرارية البحوث حتى في الفترات الصعبة.

نظرا لقلة المصادر المانحة في الوطن العربي، فإن إعتماد الباحث يقع كليا على الدعم الحكومي الذي يتأرجح كل سنة حيث أن ميزانيته لا تزال تحت رحمة أسعار البترول. ولكن يمكن ملاحظة أن نسبة كبيرة من الميزانية المعتمدة يخصص جلها للأجور والمرتبات والمكافئات ولا تكاد تتجاوز تكاليف التشغيل. فضعف مستوى البحث وإسهامه في التنمية، وهجرة الأدمغة تعتبر نتيجة حتمية لضعف الإنفاق.

ثالثا، تُعتَبر الجامعة الميدان الرئيسي للبحث في أي دولة، فالجامعة توفر الجو الأكاديمي المناسب لكل ما يحتاجه الباحث لإتمام مشاريعه. ولأجل ذلك يعتبرها الجميع كالقلب النابض، إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فلا نملك إلا أن ننعى المستقبل الحضاري لهذه الأمة.

تباينت الآراء حول حالة الجامعة بين المتفائل والمتشائم، حيث يرى البعض أنه رغم غيابها عن التصانيف العالمية، فإن الجامعة قد قطعت شوطا كبيرا وملحوظا رغم قلة التمويل والوسائل. وأنه لا تزال الجامعة في تقدم مستمر تحاول به تخطي العقبات المتراكمة الواحدة تلوى الأخرى. حيث صرح[ix] الأستاذ طاهر حجار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر بأن “البحث العلمي الجزائري بخير، ولكنه مازال محصورا داخل الجامعات، ونريد له أن يخرج من الجامعة وينطلق في فضاء رحب على مستوى كل القطاعات … والهيئات والوزارات الموجودة على مستوى الوطن.”

بينما يرى آخرون أن الشوط الذي قطعته الجامعة في مجال البحث العلمي غير كاف على الإطلاق ولا يعبر عن القدرة الحقيقية لما تختزنه الدولة من

مقدرات مادية وبشرية. حيث صرح [x] حبيب زقاد، نائب برلماني جزائري في إحدى مداخلاته متسائلا “عن أي بحث تتحدثون، وجامعتنا أصبحت مكنات لنسخ شهادات لا تسمن ولا تغني من جوع.”

يرى البعض أن تركيز الجامعة جهدها على التعليم وإنتاج الكتب وموظفي الدواوين الحكومية يقلل من مردودها العلمي؛ أن تكريس جل الجهد في التدريس النظري لن يخرج باحثين قادرين على القيام بدراسات تلامس الواقع المعيشي، والمواضيع الإجتماعية المهمة والحساسة، والحاجة العلمية الحقيقية. فإن معظم الدراسات، كنتيجة للسعي وراء الكمية دون النوعية، تصبح “بحوث رفوف” من أجل الترقية لا تملك أهدافا ملموسة تمس الواقع الزراعي والصناعي والإجتماعي بطريقة مباشرة.

على حسب مراجعتنا لآراء مختلفة لرواد مواقع التواصل الإجتماعي والمنتديات بين الجامعيين والشباب، يرى العديد أن التخطيط والتسيير والتمويل أحد أهم أسباب رقي أو إنحطاط أي جامعة. إضافة إلى ذلك تم الإشارة إلى أمور ثانوية عديدة أبرزها: تخريج عدد كبير من الطلاب بما يفوق المتطلبات الوطنية كنتيجة لمجانية التعليم، رافعا بذلك من مؤشر البطالة عند المتخرجين، مما يطرح السؤال الآتي: هل تهدف الجامعة إلى التعليم والتخريج فحسب أم توفير الكوادر بما يناسب إحتياجات السوق؟

بعيدا عن العامل الأكاديمي، فإنه مع كل أسف، لا يمكن تجاهل إندثار المنظومة الأخلاقية داخل الحرم الجامعي. فمؤخرا، كنتيجة حتمية للبحث عن الكمية، أصبح جليا للعيان إعتماد عددا معتبرا من الطلاب على الغش في الإختبارات وشراء المواضيع والنقاط. كل هذا كنتيجة لانعدام المراقبة الذاتية وسوء ثقافة المحسوبية الإجتماعية وحتى إحترام القوانين، فصار القانون بدون قوة والقوة بدون قانون.

نعود في الأخير لنطرح نفس السؤال: هل تعتبر هذه العوامل بلوى حتمية تصيب دول العالم الثالث أو السائرة إلى طريق النمو؟ هل يصح وصف هذه الحالة بالتدهور، أم عدم القدرة على مواكبة الحركة العلمية العالمية المتسارعة؟  الجواب: كلاهما. فبصفة عامة، واقع البحث العلمي للدول النامية هو نتيجة حتمية لتراكم عدة عوامل تاريخية، وسياسية وإجتماعية. ولكن هذا لا يعني أن الجامعات والمؤسسات لم تقطع شوطا هاما في البحث العلمي، إلا أن ذلك ليس كافيا للسعي للحاق بركب الجامعات العالمية.

في المقال القادم، سنسلط الضوء على دور البحث العلمي في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وعلى أمثلة لبعض الدول التي قطعت شوطا معتبرا معتمدة سياسات ممنهجة رفعت بها إنتاجيتها العلمية رغم كل العوائق.

 [i]  ملخص المقال السابق: قراءة موضوعية للبحث العلمي في الجزائر، معاذ بن عمار، موقع مركز الترقي

[ii] Ranking Web of Universities. Transparent Ranking: Top Universities by Google Scholar Citations.  4th Edition – July 2017. http://www.webometrics.info/en/node/169

[iii] Ranking Web of Universities. Countries arranged by Number of Universities in Top Ranks – January 2017. http://www.webometrics.info/en/node/54

[iv] The World University Rankings. Times Higher Education. https://www.timeshighereducation.com/search/type/ranking_institution?search=algeria

[v] إشكاليات البحث العلمي في الوطن العربي. نهال قاسم. شبكة الأخبار العربية. http://www.anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=5693

[vi] المصدر – جامعة قاصدي مرباح – ورقلة

[vii]   Economist. The Tragedy of the Arabs.

 https://www.economist.com/news/leaders/21606284-civilisation-used-lead-world-ruinsand-only-locals-can-rebuild-it

[viii] – الجزيرة – تقرير – الجامعات العربية في مؤخرة التصنيف العالمي –  http://www.aljazeera.net/programs/newsreports/2015/7/26/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A4%D8%AE%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A

[ix] البلاد  El Bilad TV – تقرير إخباري -:   https://www.youtube.com/watch?v=6nvs3bt2pmY

[x] – النائب الجزائري حبيب زقاد = https://www.youtube.com/watch?v=qcWRzTNMXxA