ثلاثة أشهر من كورونا: قراءة مقارنة لإستراتيجيات الإحتواء ومكافحة الجائحة

668

 

بقلم: معاذ بن عمار

طالب دكتوراه، مجال: البحث الطبي والبيولوجي

باحث، مركز الترقي للدراسات الاستراتيجية

ملخص

في هذا المقال الأول ضمن سلسلة مقالات في مجال سياسة الصحة العالمية بوحدة دراسات العلاقات المتوسطية والدولية لمركز الترقي، حول جائحة فيروس كورونا، حاول الباحث تلخيص مختلف جهود احتواء الفيروس والتخفيف من انتشاره ومدى فعاليتها التي بذلتها بعض الدول التي تفشى فيها الوباء في الأشهر الثلاثة الماضية بناء على المعلومات المتوفرة. مما خلص اليه الباحث “ان هذا الفيروس حفر إسمه في تاريخ لم يكتب بعد، وصار هذا الضيف الثقيل جزءا من حاضرنا المخيف ومستقبلنا المجهول، شكل هذا المستقبل سيعتمد اعتمادا كليا على القرارات التي ستتخذها الدول والشعوب في الأسابيع القادمة”.

الخطوط العريضة للمقال:

– تمهيد

التباعد الإجتماعي وتسطيح المنحنى

كيف نحتوي وباء لا نعرف مكانه؟ ـ التشخيص المبكر ـ

أمثلة عن إستراتيجيات بعض الدول لمكافحة الجائحة: الصين و”القوة الفظة”،   ألمانيا وجاهزية منظومتها صحية للتشخيص المبكر،    كورية الجنوبية

– إلى متى سيظل معنا؟ وهل سيختفي في الصيف؟  

 -ملخص إستراتيجيات وإجراءات الإحتواء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تمهيد
فيروس كورونا، أو كوفيد-19، هذا الكائن المجهري الذي لم يكن أحد يسمع به منذ بضعة أشهر، حل بيننا فجأة، فانهار إقتصاد الدول، وشلت حركة النقل، أخليت الساحات وامتلأت المستشفيات، تعطلت حركة الكوكب بطريقة لم يشهدها العالم منذ أزل، حفر هذا الفيروس إسمه في تاريخ لم يكتب بعد، وصار هذا الضيف الثقيل جزءا من حاضرنا المخيف ومستقبلنا المجهول، شكل هذا المستقبل سيعتمد اعتمادا كليا على القرارات التي ستتخذها الدول والشعوب في الأسابيع القادمة.

أعلنت منظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء الحادي عشر من مارس الماضي أن وباء الكورونا قد أصبح بصفة رسمية جائحة عالمية، بعد أن أصيب أكثر من 120000 شخص وسجلت 4300 حالة وفاة في القارات الخمس. بعدها بثلاث أسابيع فقط، تضاعفت هذه الأعداد إلى ما يقارب العشرة أضعاف ليتجاوز عدد الإصابات المؤكدة المليون شخص ويفوق عدد الوفيات 53000 في العالم، ولا تزال هذه الأرقام في تصاعد أسي مستمر حيث توقعت وحدة الإستخبارات الإقتصادية التابعة لمجموعة الإيكونوميست أن عدد الإصابات قد يبلغ نصف سكان الأرض بنسبة وفيات تتراوح بين 1-3%، وأضاف المركز أن معدل الوفيات غير ثابت ويعتمد كليا على استراتيجية الدول وسرعتها في احتواء الوباء.

الأمر جدي ولكن لا حاجة للهلع:
تشير الإحصائيات الحالية أن أغلب المصابين بالفيروس لا تكاد تظهر عليهم أية أعراض، أما البقية فتظهر عليهم أعراض متباعدة الشدة كالحمى والسعال الجاف وضيق التنفس. يمكن لأغلبية المصابين أن يشفو في البيت دون الحاجة لزيارة طبيب، بينما تحتاج الحالات الشديدة إلى العناية المركزة في المستشفى ريثما يحاول الجهاز المناعي القضاء على الفيروس.

إضافة إلى قلة نسبة الخطورة، فإن فيروس كوفيد-19 يعتبر هشا في طبيعته، حيث أن قشرته الدهنية تتمزق بسهولة مثلا إذا تعرضت إلى الصابون المنزلي لمدة عشرين ثانية، فأهم أسباب الوقاية يكمن في إتباع أساسيات النظافة، رغم ذلك فإن ضيفنا الجديد لا يزال يعتبر كائنا مجهولا، والبحوث العلمية لاتزال قائمة لمعرفة ماهيته وطرق انتشاره ومقاومته.

رغم جدية الوباء، إلا أنه لا داعي للهلع، فحسب الدكتور غوادين غاليا، ممثل منظمة الأمم المتحدة في الصين، فإن هذا الفيروس ليس خطيرا كما تخوف البعض في البداية، طرق إيجاد اللقاح متاحة لنا ولكنها تحتاج إلى وقت، وإلى أن يظهر العلاج، لدينا طرق فعالة جدا للحد من التفشي كالتحلي بأساسيات التباعد الإجتماعي والنظافة كغسل اليدين وتجنب لمس الوجه، وهي نصائح ملأت مواقع التواصل الإجتماعي ومل الناس من سماعها، ولكنها أساسية لدرجة أن رؤساء الدول كأمثال رئيس الوزراء الكندي تريدو لا يزالون يذكرون مواطنيهم بها بصفة شبه يومية.

على الرغم من الإنتشار السريع لهذا الفيروس العابر للقارات، إلا أن رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس ظل يلح على أن “كل الدول لا تزال قادرة على تغيير مسار الوباء”، وثبتت صحة ذلك حيث أن العديد من الدول التي تفشى فيها الوباء بطريقة سريعة منذ أشهر، هاهي تفتح مرافقها وأسواقها ويعود مواطنوها تدريجيا إلى الحياة الطبيعية. كل هذا يعتمد بصفة رئيسية على مدى سرعة استراتيجية الإحتواء، ومدى إمتثال المواطنين لإجراءات التباعد الإجتماعي.

في هذا المقال، سنلقي الضوء على ماهية إستراتيجيات الإحتواء ومدى فعاليتها في بعض الدول التي تفشى فيها الوباء خلال الأشهر الثلاثة الماضية

2) التباعد الإجتماعي وتسطيح المنحنى:
إن خطورة هذا الوباء ليست في سرعة الإنتشار فحسب، بل في إنهاك النظام الصحي بشكل يفوق طاقته، مثل ما وقع في إيران وإيطاليا، وإسبانيا حاليا. فنظرا لعدم وجود أي لقاح رسمي، تباينت سياسات وإستراتيجيات الدول، منها من شرع في حجر قصري مع تكثيف التشخيص، ومنها من تريث واكتفى بالتباعد الإجتماعي مع إرشادات صحية. جل هذه الإجراءات كانت تهدف إلى “تسطيح المنحنى” والذي يهدف بكل بساطة إلى تقليل عدد الإصابات حتى لا تغمرالمستشفيات، أي: محاولة الحد من إنتشار الفيروس عن طريق التباعد الإجتماعي حتى لاتتجاوز الحالات الخطيرة قدرة استيعاب المستشفيات المحلية، فيقع أطباؤنا في وضع حرج للغاية يجبرهم على إنتقاء من يتم قبوله إلى المستشفى لمحاولة إنقاذه، ومن يُرد إلى بيته ليصارع الموت هناك، كما حدث بالأسف في بعض المستشفيات الإيطالية، فالله الله في أطبائكم، لا تعرضوا إخوانكم إلى هذا الموقف الذي تخر له الجبال!

هل أثبت “تسطيح المنحنى” نجاعته من قبل؟ الإجابة في كتب التاريخ…
الإجابة بكل بساطة نعم، قارن الباحث درو هاريس من جامعة توماس جيفيرسون بفيلادلفيا الأمريكية طريقة تعامل ميدنتين أمريكيتين وهما فيلادلفيا وسينت لويس مع جائحة “الإنفلونزا الإسبانية” سنة 1918:
في فيلادلفيا، بعد ظهور أول حالة، تجاهل المسؤولون تحذيرات الأخصائيين لأسبوعين كاملين بحجة عدم الإستسلام للخوف، لدرجة أنهم سمحوا بتنظيم عرض عسكري ضخم حضره أكثر من 200000 شخص دعما للحرب العالمية الأولى. بعدها بثلاثة أيام فقط، إمتلأت كل مستشفيات المدينة عن آخرها بالمرضى وبلغ عدد الوفيات بضعة آلاف. أغلق بعدها المسؤولون المدينة، ولكن هذا الحل جاء متأخرا ولكم كافيا ليمنع عدد الوفيات أن يبلغ 16000 خلال 6 أشهر.

أما مدينة سينت لويس، فبعد يومين من اكتشاف أول حالة، أعلنت حجرا شاملا وأغلقت المراكز العامة وقيدت حركة التنقل ومنعت أي إجتماع لأكثر من 20 شخص تحسبا للأسوء، فسجلت حوالي 2000 حالة وفاة خلال نفس الفترة، وهو أقل مما سجلته فيلادلفيا خلال ثلاث أيام.
الحل ليس في تطبيق الحجر فحسب، وإنما في سرعة الإستجابة، والفرق بين المدينتين هو أسبوعان فقط!

وكالعادة، قرر التاريخ أن يعيد نفسه، فبعد أكثر من مائة سنة، ظهرت جائحة أخرى، فارتأت بعض دول شرق آسيا كالصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وألمانيا إلى حد ما، أن تحذو حذو مدينة سينت لويس، فمباشرة بعد ظهور أول إصابة، إستنفر المسؤولون والشعوب، ودخلت تلك الدول ما يشبه الحرب الطبية.

أما بعض الدول الأخرى فكان لها رأي آخر. فحتى بعد أن تجاوز عدد الحالات عتبة 650 مصاب، قلل رئيس الحزب الديمقراطي الإيطالي من خطورة الموقف ونصح سكان بلاده للنزول للشارع لحماية الإقتصاد ومكافحة الخوف فنزلوا. أما بريطانيا فبعد أن لمحت بإستخدام مناعة القطيع (وهي أن تسمح بإصابة 60% من مواطنيها بالمرض حتى يكتسب المجتمع مناعة تحد من انتشاره)، أغلقت المحلات وتركت المدارس والجامعات! أما الرئيس الأمريكي فأكد لعدة مرات أن بلاده “سيطرت على الوضع بشكل كامل” وأن “الكورونا سيختفي فجأة لوحده.”

فبعد هذه التصريحات التي لم تأخذ الوباء على محمل الجد وتأخر دام قرابة شهرين كاملين، كانت النتيجة الحتمية: انتقلت بؤرة الجائحة من الصين إلى إيطاليا وأصيب رئيس الحزب الديمقراطي الذي نصح الناس بتجاهل الوباء، وتفشى الفيروس في أوربا الجنوبية ليصل إلى بريطانيا حيث لم يسلم منه رئيس الوزراء البريطاني ولا حتى البيت الملكي، حتى ألمانيا لم تسلم من تفشي الفيروس لكن هذا الأخير اصطدم بصلابة النظام الصحي الألماني. أما الولايات المتحدة، فكان تباطؤ إدارتها الذي قارب الشهرين كفيلا بأن يجعلها في صدارة الترتيب حيث تسجل حاليا أعلى نسبة إصابات وتفشي في العالم.

أما بعض الدول الأخرى، فعوضا عن التركيز في حماية البلاد من خطر الوباء، دخلت في صراعات سياسية مختلفة، حيث رفض الرئيس البرازيلي إجراءات الحجر مدعيا أن التداعيات الإقتصادية تكون أخطر على البلد من هذا “الإنفلونزا الصغير،” فدفع ذلك والي ريو دي جانيرو أن يرفع دعوى قضائية ضده. وفي أوربا الشرقية، استغل رئيس وزراء النمسا فيكتور أوربان الوضع الحالي وعين نفسه رئيسا للبلاد مدى الحياة!
لا تزال الجائحة في مراحلها الأولى في العديد من الدول، ولنا في تجارب الدول الآسياوية والأوربية عبر نستقرؤها لبناء استراتيجية طبية واجتماعية كفيلة بمكافحة الوباء.

3) كيف نحتوي وباء لا نعرف مكانه؟ – التشخيص المبكر –
مبدأ تسطيح المنحنى عن طريق التباعد الإجتماعي يعتبر من أساسيات مكافحة إنتشار الأوبئة، فحتى بعد ثلاثة أشهر من بداية الأزمة، لا يزال رؤساء الدول الكبرى كأمثال رئيس الوزراء الكندي تريدو يذكرون مواطنيهم بصفة شبه يومية “بتسطيح المنحنى” و”التباعد الإجتماعي”، وذلك لكونه آخر سلاح ضد تفشي الوفاء، حتى تتجاوز المنطقة ذروة التفشي، أو يتم إكتشاف اللقاح وإختبار سلامته. ولكن التباعد الإجتماعي لن يجدي نفعا إذا لم يتم إرفاقه بأهم عامل في مكافحة الوباء: وهو التشخيص المبكر. لأنه وبكل بساطة: إن لم تعرف مكان الفيروس، فلا أمل في احتواء الوباء.

قال رئيس منظمة الصحة العالمية بكل وضوح: “لا يمكننا إيقاف هذه الجائحة إن لم نتعرف على المصابين، لدينا رسالة بسيطة لكل الدول: الفحص ثم الفحص ثم الفحص.”
إن أنجح وسيلة لإحتواء هذا المفيروس المتخفي، حسب خبراء صحيفة الأتلانتيك، هو اعتماد ماقامت به الدول الآسياوية التي تفشى فيها الوباء أولا:
تطوير وسائل تشخيص تسمح بالكشف السريع عن كل المصابين، وتوفيرها في عدة مقاطعات عبر التراب الوطني؛
العزل الكلي للمصابين عن المجتمع بسرعة، ثم تتبع كل من كان على اتصال بالشخص المصاب حتى وان لم تظهر عليه أية أعراض وتكوين قاعدة بيانات لتتبع المصابين المحتملين بأسرع وقت ممكن؛
إرساء منظومة التباعد الإجتماعي عبر التراب الوطني وتذكير المواطنين بالمسؤولية الجماعية للحد من التفشي.

كلمة السر في هذا هي السرعة ثم السرعة ثم السرعة.
الناقل الصامت – أهم عامل في نشر الوباء:
إن أهم عامل في هذا الفيروس هو سرعة انتشاره عن طريق “الحامل” أو “الناقل” وهو الشخص المصاب بالفيروس والذي لا تكاد تظهر عليه أية أعراض، وأغلبهم من الشباب. قد تحتاج الأعراض إلى معدل 5 أيام لتظهر، يعني أن المصاب كان بإمكانه نقل العدوى منذ خمسة أيام بعد الإصابة دون أن يشعر، وقد لا يشعر أبدا أنه قد حمل الفيروس. لذلك ينصح المسؤولون بأخذ مبدأ التباعد الإجتماعي بجدية، وتعامل مع الناس على أنك تحمل الفيروس، تجنب الأماكن العامة، وقلل احتكاكك بالناس تقلل احتمال إصابتك أو إصابة غيرك، فبالتالي تبطئ من وتيرة الإصابات لدرجة يمكن للمستشفيات تحملها.
بسبب سرعة إنتشارية الوباء في الهواء، غيرت منظمة الصحة نظرتها اتجاه الكمامات حيث أنها نصحت أغلب المواطنين بوضعها، فالكمامة مثلا لن تحميك من الإصابة بالفيروس مثل ما يحميك غسل اليدين، ولكنها ستحمي الجميع منك في حالة ما كنت حاملا للفيروس وأنت لا تدري.

4) أمثلة عن إستراتيجيات بعض الدول لمكافحة الجائحة:
أ ـ “القوة الفظة”: هل تحول مهد الوباء إلى قبره؟
رغم اعتبار الصين مهد الفيروس، وإتهام البعض لها بالتكتم عليه والتلاعب بالأرقام المعلنة، إلا أن الإستراتيجية التي اتبعتها في كبح الوباء تعتبر فريدة من نوعها، وتدعي الصين أنها تكللت بالنجاح، وهاهي الآن تلعب دور المنقذ.

إتبعت الصين إستراتيجية سمتها بالقوة الفظة، والتي تعتبر أضخم تجربة صحية في التاريخ الإنساني، رغم وصف البعض لها بالقمعية المفرطة. فبعد تفشي الوباء في وُوهان، أنشأت الصين أكبر حجر صحي في تاريخ البشرية، حيث أجبرت الصين 60 مليون شخص من سكان إقليم هوبي بالبقاء في منازلهم، إضافة إلى حجر عدد كبير من المدن مقيدة حركة ما يقارب 700 مليون شخص، معطلة بذلك حركة الإقتصاد، ليس في الصين فقط بل في العالم كله.
أعلنت الصين بعدها ما يشبه الحرب الطبية، حيث نقلت أكثر من 42 ألفا من الطواقم الطبية المدنية والعسكرية إلى إقليم هوبي لدعم المنظومة الصحية. شرعت في بناء 14 مستشفى خلال أسابيع فقط وحولت المرافق العامة والفنادق والملاعب إلى مستشفيات مؤقتة خصصت لرعاية المرضى ذوي الأعراض الخفيفة، أو أماكن حجر جماعي وقصري لمن يشتبه في إصابتهم ولم يتم الكشف عنهم بعد. رفعت بذلك كفائة النظام الصحي وحدت من تفشي الفيروس بشكل هائل (حسب الأرقام المعلنة).

أما من الناحية الإجتماعية، فعينت جيشا من المتطوعين لإرسال الطعام إلى الملايين في بيوتهم، وإستعملت التكنلوجيا كروبوتات وطائرات مسيرة وخواذ للكشف عن الأشخاص المصابين بالحمى، وأجبرت الجميع على تحميل تطبيقات هاتفية لرصد الصحة وتقييد الحركة.
بعدها بحوالي شهرين، تراجعت الأزمة بطريقة سريعة، وشرعت الصين في رفع القيود بصفة تدريجية، وعادت الحياة تدريجيا إلى ووهان، واحتفلت الصين رسميا بانتهاء الأزمة وهاهي الآن تحاول التسويق لإستراتيجيتها الناجحة، ولكن يرى البعض أن الإستراتيجية كانت مفرطة جدا والثمن كان باهظا وجاء هذا النجاح على حساب سبل عيش الناس وحرياتهم الشخصية وبات عدد كبير من الشركات الصغيرة عرضة للإفلاس. ولكن عودة ملايين الصينيين إلى حياتهم العادية دليل على نجاح الخطوات التي اتخذتها في كبح انتشار الفيروس.

ب ـ زحف الفيروس إلى ألمانيا بسرعة فاصطدم بمنظومة صحية جاهزة للتشخيص المبكر:
لم تستطع أحد أقوى إقتصادات العالم وقف زحف الفيروس، إلا أن نظامها الصحي كبحه وأضعفه، فرغم ارتفاع معدل الإصابات، إلا أن نسبة الوفيات تعتبر منخفظة مقارنة بالدول المجاورة، وهذا يرجع إلى عامل اساسي سبقت فيه ألمانيا بقية الدول الأوربية وهو التشخيص المبكر.
في شهر جانفي كان خطاب الحكومة الألمانية مطمئنا ومقللا لخطورة الوباء، ولكن تغير كل ذلك بعد ظهور أولى الحالات في البلد في فيفري، فأعلنت بسرعة بدأ إجراءات الحجر المنزلي والتباعد الإجتماعي في أرجاء البلاد، مع تقليل حركة الأفراد، ومنع التجمعات، مع ذلك أدرك المسؤولون مبكرا أن هذا الأمر لن يكون كافيا، ولربح الوقت شرعت في الفحص المبكر وفحص أكبر عدد ممكن من المشتبه بهم حتى وإن لم تظهر عليهم أعراض، وعزلهم عن الجميع، حيث شرعت الدولة في فحص مكثف بلغ أضعاف ماقامت به الدول المجاورة، وأعلى من نسب التشخيص في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا مجتمعة. وتعود هذه السرعة لأن ألمانيا جهزت نظام التشخيص في منتصف فيفري وعممته على المختبرات الخاصة في مختلف أرجاء الدولة. على عكس ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية التي تأخرت في السماح للمختبرات الجامعية والمراكز الخاصة بالتشخيص، واقتصرت على مراكز ومعدات محدودة جدا، مما أخر عملية التشخيص لعدة أسابيع!

ج ـ كوريا الجنوبية والمريضة رقم 31 (Super Spreader):
تعتبر كوريا الجنوبية من أولى الدول التي انتشر فيها الوباء بعد الصين، كما تعتبر استراتيجيتها من الأمثلة الناجحة لمكافحة الفيروس. وصل الفيروس إلى كوريا مبكرا من ووهان حوالي 20 جانفي، فتعاملت الدولة معه بإجراءات صارمة وكأنها في حالة حرب من حيث التشخيص السريع وعزل كل المصابين والمشتبه فيهم بسرعة، فظلت الأمور تحت سيطرة المسؤولين مع عدد حالات لم يتجاوز الثلاثين فقط لشهر كامل، لكن الأمور تغيرت بعد إعلان إصابة الحالة 31 يوم 18 فيفري 2020، حيث ارتفع بعدها عدد الإصابات بشكل خيالي خلال الأيام التي تليها. فيا ترى ما السبب؟

نصح الأطباء إمرأة كبيرة في السن ، والتي أصبحت تعرف لاحقا بالحالة 31 ، أن تقوم بفحص كورونا وذلك بعد أن اشتكت من بعض الأعراض الطفيفة ، لكنها تجاهلت الأمر وتجاهلت توصيات العزل وظلت ترتاد أماكن عامة أبرزها قداس كنيسة في مدينة دايغو يرتاده حوالي 500 شخص يقع في رابع كبريات المدن في البلاد، لم تبالي المرأة حتى تفاقمت حالتها واكتشفت لاحقا اصابتها بالفيروس، ولكن بعد أن انتقلت العدوى إلى عدد كبير من رواد الكنيسة الذين نشروا المرض في الإقليم دون علمهم ، فتكونت بؤرة جديدة للوباء تسببت فيما يقارب 80% من مجموع اصابات البلد بعد أن ظنت الدولة أنها قد سيطرت على الأمر،

شخص واحد تجاهل إجراءات التباعد الإجتماعي والعزل فكان كافيا لنقل العدوى إلى أكثر من 6000 شخص في أواخر شهر مارس. حالة واحدة كانت كافية لتعلن كوريا أنها فقدت السيطرة على الوباء. ولحسن الحظ، تمكنت سرعة التشخيص والعزل إضافة إلى إلتزام الكوريين بالتوصيات من محاصرة الوباء والتخفيف من انتشاره،
فرغم ارتفاع الحالات المستمر، إلا أن الوضع يبدو تحت السيطرة، حيث عادة الحياة إلى الشوارع والأسواق وفتحت المحلات والمطاعم، ولكن الجميع يتعامل مع الوضع بشكل حذر.

5) إلى متى سيظل معنا؟ وهل سيختفي في الصيف؟
تشير بعض الدراسات، أهمها دراسة من جامعة لندن، أن الفيروسات التاجية، من عائلة الكورونافايروس، تظهر بشكل موسمي كفيروسات الإنفلونزا حيث أنها تشتد في الشتاء، وتنخفض بشدة في الصيف، لتعود بعد ذلك في الشتاء القادم. يقول صاحب الدراسة الباحث روب ألدرج، أنه نظرا لحداثة فيروس الكوفيد 19، فقد يختلف هذا الأخير عن سابقيه من نفس العائلة، ويمكن ألا يختفي بسرعة نظرا لسرعة انتشاره وإنعدام مناعة كافية لدى المجتمع،
حسب دراسة أخرى من جامعة م.إ.ت الامريكية، فإن نسبة إنتشار الفيروس الحالية تبدوا عالية في المناطق الباردة ومنخفظة في المناطق الحارة ذات الرطوبة المرتفعة، مما يشير إلى إمكانية تأثير درجة الحرارة والرطوبة على فعالية إنتشار الفيروس خاصة في فصل الصيف.
ولكن ألح جل العلماء ومنهم الدكتور شافنر من جامعة فاندربلت الأمريكية أنه “من غير المعقول أن نتوقع أن يختفي الفيروس فجأة في فصل الصيف، ولكني أظن أن هذه البحوث تعطينا القليل من الأمل.” وقال الدكتور فاوتشي، مدير مركز الأمراض المعدية في معهد الصحة الأمريكي: “هناك إحتمال كبير أن يأخذ هذا الفيروس طابعا موسميا، لذا علينا أن نكون جاهزين لإحتمالية عودته في الموسم القادم.”

6) ملخص إستراتيجيات وإجراءات الإحتواء:
إجراءات إستباقية إلى السلطات:
أ ـ التشخيص المبكر والشامل
تجهيز وسائل الفحص والتشخيص وتوفيرها في عدة مقاطعات عبر التراب الوطني؛
فحص شامل: تكوين قاعدة بيانية لتتبع المصابين والمشتبه بإتصالهم أو إختلاطهم بالحالات المؤكدة؛
العزل الكلي للمصابين أو المشتبه بهم بسرعة حتى وان لم تظهر عليهم أية أعراض، سواء في البيوت أو في مراكز حجر خاصة؛
ملاحظة: بعض الدول سمحت للمصابين بالحجر المنزلي مع تطبيق عقوبات صارمة على المخالفين تصل إلى السجن؛ دول أخرى لم تثق بإلتزام مواطنيها بالحجر فأجبرتهم على الحجر الجماعي داخل أماكن خاصة.

ب ـ إرساء منظومة التباعد الإجتماعي عبر التراب الوطني:
يمكن تقسيم المجتمع إلى قسمين رئيسيين:
القسم الأول: عمال الصحة والأمن، وهدفهم التشخيص، والنقل والعناية بالمرضى، وإنشاء المعدات الطبية، حماية هذا القسم هي الأولوية الأولى؛
القسم الثاني: بقية الشعب، وهدفه أن يربح القسم الأول بعض الوقت، بإجتناب الإختلاط والإلتزام بتوصيات الحجر، وهذا قد يستمر لأسابيع.
في المناطق التي ظهرت فيها حالات مؤكدة قليلة:
أغلب دول العالم التي تفشى فيها الوباء في حجر جزئي حاليا حيث ألغيت المدارس والتجمعات وأغلقت المرافق العامة “الغير ضرورية” وتم تقييد حركة التنقل، وطلب من المواطنين البقاء قي منازلهم قدر المستطاع حيث يسمح للمواطنين بالخروج للحالات الضرورية فقط كشراء الغذاء والدواء؛
تجنب التجمعات قدر الإمكان، وإلغاء أي إجتماعات إدارية أو تجمعات شعبية لأكثر من عشرة أشخاص؛
التوعية والتذكير المستمر المواطنين بالمسؤولية الجماعية للحد من التفشي؛
تجنب السفر غير الضروري والزيارات الإجتماعية والعائلية؛
تعزيزات إضافية وتجهيز المستشفيات تحسبا للأسوء؛
رفع وتيرة التشخيص.
في المناطق التي تفشى فيها الوباء:
الحجر الكلي في المناطق التي خرج فيها الإنتشار عن السيطرة، حيث تمنع الحركة خارج البيت إلا برخصة؛
تعزيزات إضافية وتجهيز المستشفيات تحسبا للأسوء؛
الدعم من المناطق غير المتضررة بالمعدات الطبية والمواد الأساسية.

ج ـ تعزيز النظام الصحي تحسبا للأسوء:
تجهيز المستشفيات وتوفير كل الوسائل الممكنة لحماية ووقاية عمال الصحة والأمن، فإن لم يستطع الممرض حماية نفسه من المرض، فستنهار منظومة الحماية والإحتواء؛
إعلان حالة الطوارئ على مستوى الوطن، والشروع في انتاج معدات الحماية الشخصية كالأقنعة، أليات التشخيص، وأجهزة التهوية، كما لو أنك في حالة حرب؛
الشروع في إنشاء مستشفيات ميدانية مؤقتة في مناطق مختلفة تحسبا للأسوء؛
تقييد شامل للرحلات داخل وخارج البلد خاصة من وإلى أماكن إنتشار الوباء؛
مجانية التشخيص والعناية الطبية المتعلقة بالكورونا لعامة الشعب.

د ـ المساعدات المالية والإقتصادية:
إن من أكبر المتضررين من الحجر المنزلي الجزئي أو الكلي هو المواطن العامل الذي فقد عمله بسببه وقد يعجز عن دفع إيجار بيته أو قوت يومه؛ وهذا يقع على مسؤولية الحكومة للتكفل بهم: قامت بعض الدول بتغطية رواتب العاملين الحكومين من شهر إلى بضعة أشهر، أما غير الحكوميين فوفرت لهم منحا مماثلة؛
تجنيد متطوعين لإيصال الغذاء والمواد الأساسية إلى المواطنين داخل الحجر؛
قامت بعض الدول بتوفير قروض بنكية للشركات بمختلف أحجامها والمحلات حيث يمكنها دفع الأجور والفواتير خلال فترة الركود وحمايتها من الإفلاس.
نسأل المولى تعالى أن يزيل عنا هذه الغمة والبلاء وأن يبدله برحمة من عنده إن شاء الله

المصادر:

Coronavirus: What is ‘flattening the curve,’ and will it work?
البلاد بحاجة إلى تمديد الحجر الصحي لمحاصرة كورونا
Coronavirus will infect half the global population, EIU predicts
EXCLUSIVE: Karlie Kloss’s dad helps Jared with coronavirus ‘research’
How the Pandemic Will End
Why the Coronavirus Has Been So Successful
How the Coronavirus Became an American Catastrophe
https://www.cnbc.com/2020/03/31/co
<untries-in-lockdown-should-try-what-singapore-is-doing-coronavirus-expert.html?recirc=taboolainternal

The U.K.’s Coronavirus ‘Herd Immunity’ Debacle
Scientists ask: could summer heat help beat Covid-19?
Could the summer bring an end to COVID-19?
United States Coronavirus Cases
Public health interventions and epidemic intensity during the 1918 influenza pandemic
كورونا: الصين تجربة فريدة في مواجهة المرض واحتوائه، فكيف يمكن لبقية دول العالم استقاء الدروس؟
This is what China did to beat coronavirus. Experts say America couldn’t handle it
https://www.ft.com/content/849308f8-75bc-11ea-ad98-044200cb277f
The Atlantic Daily: How Four Countries Are Handling This Outbreak