واقع البحث العلمي في الجزائر (1): “قراءة موضوعية للبحث العلمي في الجزائر”

2390

بقلم: معاذ بن عمار، طالب دكتورة،

مجال: البحث الطبي و البيولوجي

باحث، مركز الترقي

 

ملخص

 بعد التذكير بأهمية البحث العلمي وببعض المفاهيم الرئيسية، يذكر المقال وباختصار واقع البحث العلمي في الجزائر من خلال قراءة سطحية وموضوعية لبعض الإحصائيات الوطنية والدولية مقارنة بدول الجوار من جهة، والدول المتقدمة من جهة أخرى، كما يحاول المقال أن يسلط الضوء على بعض العوامل العامة التي لعبت دورا أساسيا في عدم قدرة الجزائر على بناء ركيزة علمية وبحثية تجاري بها الدول الغربية. ليحاول المقال من خلال تلك الإحصائيات المتوفرة حاليا، الإجابة على الأسئلة الآتية: ماهي حالة البحث العلمي في الجزائر وهل يرقى ذلك إلى مستوى دول الجوار من جهة وبقية دول العالم العربي والإسلامي من جهة أخرى؟ ما هي أهم العوامل الرئيسية التي ساعدت على توسيع الفجوة وعرقلة تقدم الإبداع العلمي؟

مخطط المقال

مقدمة:

  • مدخل لأهمية البحث العلمي
  • مفاهيم أساسية: الجامعة، البحث العلمي والتنمية الإقتصادية والاجتماعية
  • علاقة الجامعة بالبحث العلمي والتنمية:

قراءة موضوعية لواقع البحث العلمي في الجزائر: أرقام وإحصائيات

  • حالة البحث في الجزائر
  • مؤشرات البحث العلمي: تحليل مقارن

مقارنة بين الجزائر ودول الجوار

مقارنة بين الجزائر، العالم الإسلامي، والدول المتقدمة

  • تحليل أولي:

عجز المورد البشري وقلة التركيز على دعم الاقتصاد المحلي

خاتمة

مقدمة:

  • مدخل لأهمية البحث العلمي:

يعتبر البحث العلمي أحد أهم عوامل ومؤشرات التطور والنمو لأي دولة، كما يعتبر ركيزة أساسية يبنى عليها تقدم الدولة من تخلفها، ويعتبر الحجر الأساسي للخروج بالوطن من وحل الإنحطاط لمجاراة الدول المتقدمة سعيا للحاق بركب الحضارة. ولذلك فإن جوهر ميدان البحث يعتمد على نقطتين أساسيتين: أولا- نظرة الحكومة إلى أهمية البحث وذلك يتجلى من خلال الميزانية المحددة بالنسبة إلى الدخل الفردي والوطني، إضافة إلى البرامج الحكومية والخاصة التي تهدف إلى إستغلال الطاقات البشرية والمادية. ثانيا، نظرة الشعب الجزائري عامة وإدراك الشباب والباحثين خاصة إلى أهمية البحث العلمي في النهوض بالإقتصاد الوطني.

  • مفاهيم أساسية[1]: قبل أن نتطرق إلى عالم الأرقام، من الأجدر أن نلقي نظرة على بعض المفاهيم الرئيسية:

مفهوم الجامعة 1:

الجامعة هي مؤسسة إجتماعية ذات أنظمة أكاديمية محددة وبرامج خاصة في شتى المجالات والإختصاصات، أهدافها الرئيسية تشتمل على توفير البيئة والأسباب المناسبة لتكوين وتأطير الطالب في شتى الإختصاصات بمختلف الشهادات التقنية والمهنية والعليا، إضافة إلى دعم البحث الأدبي والعلمي والفني وذلك بإنشاء وتشجيع التعاونيات العامة والخاصة. ولذلك فإن الجامعة عنصر فعال يسعى إلى تأطير الطالب وتأهيله ليكون عنصرا إجتماعيا فعالا يهدف إلى التنمية العلمية والإقتصادية سعيا لخدمة المجتمع.

مفهوم البحث العلمي1:

تعتبر الحاجة والتساؤل والفضول العلمي أحد أهم العوامل التي دفعت بالحضارة البشرية عبر قرون من الكهوف الصخرية إلى المجرات الكونية. مر البحث العلمي بمراحل عبر الزمن ليستقر فيما يعرف حاليا بالمنهج أو الطريقة العلمية في البحث والتي تعتمد على عدة مراحل أهمها: ملاحظة الظاهرة الطبيعية أو التجريبية، طرح التساؤلات المناسبة، تكوين فرضية محددة، القيام بسلسلة تجارب للتحقق من صحة الفرضية، تعميم الفرضية إلى نظرية عامة بعد تحليل وتفسير وتكرار النتائج، ومن ثم تنقيح تجريبي للفرضية والتحقق من كل فروعها.

مفهوم التنمية الإقتصادية والإجتماعية 1:

عرّفت الأمم المتحدة التنمية بكونها “النمو والتغيير اللذان تكتمل فيهما جميع أوجه النشاط الإقتصادي والإجتماعي، وتتضمن جميع الإجراءات والوسائل والأساليب التي تتخذ لزيادة الإنتاج من الموارد الإقتصادية المتاحة والكافية لرفع مستوى معيشة الفرد والمجتمع.”

  • علاقة الجامعة بالبحث العلمي والتنمية:

تعتبر الجامعة أحد أهم مراكز البحث في العالم وذلك لكونها المكان المثالي الذي تلتقي فيه الخبرات والطاقات والأفكار المختلفة من بين أساتذة ومتخصصين وطلاب جامعة إجتمعوا على الإجابة على تساؤلات تهدف لخدمة المجتمع.

فإن أخذنا البحث الطبي كمثال لأبسط حالاته، فإن المستشفى الملحق بالجامعة يوفر للباحث عينات من الأنسجة الخاصة بمرض ما والتي تساعد هذا الأخير على طرح مجموعة من التساؤلات البيولوجية المبنية على نتائج علمية سابقة ،  ثم القيام بمجموعة تجارب إعتمادا على مختلف الإختصاصات الطبية والبيوكيميائية داخل الجامعة وخارجها بهدف فهم ماهية المرض وأسباب تطوره وسبل تخفيف أعراضه وإبطاء إنتشاره أو حتى علاجه.

كل هذه المراحل وإن كانت مبسطة في هذا المثال تعتمد على توفير الوسائل المادية والمعدات الأساسية التي تستورد من الخارج. وإن كانت الدول النامية غير قادرة على تكريس مبالغ ضخمة تظاهي ميزانيات الدول الكبرى للقضاء على السرطان أو مرض السكري أو أي من الأوبئة المستعصية، فإنها لا تزال قادرة على تركيز برامجها البحثية على الإنتاج المحلي للمعدات البحثية عوضا عن إستورادها من الخارج بمبالغ خيالية تضاعف العبئ المالي على أي مؤسسة. هذا الإنتاج المحلي يساعد على تخفيف تكاليف شراء المعدات والتركيز أكثر على عملية البحث.

قراءة موضوعية لواقع البحث العلمي في الجزائر: أرقام وإحصائيات

  • حالة البحث في الجزائر:

مما لا يخفى على أي شاب جزائري أن مكانة البحث العلمي أعلى بكثير مما ترصده الدولة من إمكانيات. وكما هو الحال في أغلب البلدان النامية، فإن البحث الجامعي في جل المجالات لا يرقى إلى المستوى الأدنى المطلوب خاصة إذا ما قورن بمقدرات الدولة، كما أن واقع النشاط البحثي لا يعكس البتة ما تملكه الجزائر من ثروات مادية وقدرات بشرية.

سنحاول في هذا المقال أن نذكر وباختصار واقع البحث العلمي في الجزائر من خلال قراءة سطحية وموضوعية لبعض الإحصائيات الوطنية والدولية مقارنة بدول الجوار من جهة، والدول المتقدمة من جهة أخرى، كما سنحاول أن نسلط الضوء على بعض العوامل العامة التي لعبت دورا أساسيا في عدم قدرة الجزائر على بناء ركيزة علمية وبحثية تجاري بها الدول الغربية،

من خلال الإحصائيات الحالية، يمكن طرح الأسئلة الآتية: ماهي حالة البحث العلمي في الجزائر وهل يرقى ذلك إلى مستوى دول الجوار من جهة وبقية دول العالم العربي والإسلامي من جهة أخرى؟ ما هي أهم العوامل الرئيسية التي ساعدت على توسيع الفجوة وعرقلة تقدم الإبداع العلمي؟

  • مؤشرات البحث العلمي: تحليل مقارن

مقارنة بين الجزائر ودول الجوار[2] [3] [4] [5]:

إن استخدمنا نسبة الأوراق البحثية المنشورة كمقياس للإنتاج العلمي، فإن نسبة الأوراق البحثية المنشورة في الجزائر خلال العشر سنوات الممتدة بين سنة 2003 و2012 تمثل حوالي عُشر ما أنجزته الدول العربية خلال هذه الفترة، متساوية في ذلك بالتقريب مع دول المغرب العربي الشقيقة كتونس (14%) والمغرب (8%)، والتي بدورها تمثل ما يقارب ثلث الإنتاج العلمي العربي (الذي بدوره يقدر بأكثر من 166000 ورقة بحثية).

من حيث الإنتاج العلمي، يمكن للمراقب تقسيم الخريطة العربية إلى أربعة أقسام: المغرب العربي، مصر، مجلس التعاون الخليجي، وباقي الدول العربية. إن نسبة الأوراق البحثية المنشورة في المغرب العربي تمثل ما يقارب ثلث الإنتاج العربي (34%) مما يقارب الإنتاج المصري (29%) أو الخليجي (31%)، (انظر شكل 1).

من خلال الشكل التوضيحي الذي يوضح تطور الإنتاج البحثي خلال العشر سنوات الماضية (انظر شكل 2)، يمكن ملاحظة تقارب الإنتاج المغاربي الذي استمر في إرتفاع تدريجي مستمر خلال السنوات الفائتة ولكنه لا يزال متأخرا مقارنة بالإنتاج المصري أو الخليجي.

حسب إحصائيات البنك الدولي لعام 2014، فإن مجموع سكان المغرب العربي (84م.ن) يقارب عدد سكان مصر (90 م.ن) و يزداد عن عدد دول المجلس الخليجي (51.5 م.ن)، رغم كون التعداد السكاني عاملا أساسيا في تحديد نسبة اليد العاملة في قطاع البحث، فإننا رغم ذلك لا نلاحظ تناسبا طرديا واضحا بين تعداد السكان والإنتاج البحثي، إن قارنا معدل البحوث المنشورة لكل مليون نسمة مثلا فإننا نجد تفوقا واضحا لتونس (رغم قلة عدد سكانها) ومجلس التعاون (بمعدل 350 ورقة/مليون مواطن على الأقل) متجاوزة بذلك الجزائر (84.4) والمغرب ومصر (رغم كونها ذات أكبر عدد من السكان).

إضافة إلى ذلك، حسب إحصائيات البنك الدولي للفترة الممتدة ما بين سنة 2001 و2015 فإن نسبة التعاون البحثي بين دول المغرب العربي لا تتجاوز 0.1% من المجموع الكلي للبحوث، وهي نسبة منخفضة جدا مقارنة بنسبة التعاونيات بين مختلف الدول الأخرى.

مقارنة بين الجزائر والعالم الإسلامي والدول المتقدمة 5 ـ [6]:

إذا ما قارنا الإنتاج العربي عامة، والجزائري خاصة، بالدول الإسلامية المجاورة لسنة 2015، (انظر شكل 3، 5،4). فإننا نجد تفوقا واضحا لكل من تركيا وإيران، الذي ازداد تضخما خاصة في السنوات الأخيرة، بمعدل إنتاج يكاد يساوي مجموع الإنتاج العربي مجملا رغم أن تعداد سكان تركيا أو إيران لا يكاد يتجاوز تعداد سكان مصر لوحدها فضلا عن بقية الدول العربية!

رغم إرتفاع الإنتاج العربي خلال السنوات الأخيرة بنسبة معتبرة وتضخم إنتاج بعض الدول الإسلامية كتركيا وإيران، فإن هذه الأرقام وبطبيعة الحال تقف خجلا إذا ما قورنت بالدول المتقدمة كأوروبا والولايات المتحدة والهند والصين واليابان، والرسم التوضيحي أدناه (انظر شكل 6 و 7) كفيل بالتعبير على هذا الفرق الشاسع.

  • تحليل أولي [7] ـ [8]

عجز في المورد البشري وقلة التركيز على دعم الإقتصاد المحلي:

من المقارنة أعلاه يمكننا أن ندرك أن الجزائر، رغم مقدراتها الطبيعية وقدرتها المالية، فإنها لا تزال متأخرة إذا ما قورنت بالدول النامية الأخرى. وهذا الواقع لا يعكس لا من قريب ولا من بعيد مقدرات الدولة الطبيعية والمالية والبشرية، وإنما يعود سبب هذا التأخر بصفة عامة إلى عدة عوامل أهمها: ضعف التمويل، غياب التعاون والتنسيق وإستراتيجية التسويق، إضافة إلى عجز في المورد البشري وقلة التركيز على دعم الإقتصاد المحلي.

تشير الأرقام8 إلى أن من بين 46 ألف أستاذ جامعي، فإعدد الباحثين في الجزائر يراوح النصف، من 30 إلى 40 ألف أستاذ باحث (منهم 8500 من حاملي شهادة الدكتوراة)، منهم فقط ما بين 2083-3500 باحث دائم وحوالي 4000 مهندس تقني موزعين على ما يقارب الألف مختبر، وهذه الأرقام غير كافية على الإطلاق لرفع الإنتاج المحلي ناهيك عن دعم التنمية الإقتصادية.

أكد المدير العام السابق للبحث العلمي والتطور التكنلوجي لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حفيظ أوراغ[9] [10] خلال لقاء السنة الماضية أن ثلث الباحثين في الدول المتقدمة متواجدون في الجامعات ويتواجد الثلثان في القطاع الخاص، بينما ينشط أغلبية الباحثين الجزائريين في الجامعات ذات التمويل الحكومي المحدود، مما يؤثر سلبا على تأثير البحث العلمي في دعم القطاعات الإقتصادية والإجتماعية. كما أضاف أنه “لا يوجد أي مركز معتمد أو هيئة بحث في الوسط الاجتماعي والاقتصادي الجزائري وأي باحث في مجال الصناعة” مقارنة بفرنسا التي ينشط جل باحثيها في مجال الصناعة. وكما ألح على أهمية دعم وتركيز الطاقات البحثية في مجال الصناعة لتلبية حاجيات القطاع خدمة للإقتصاد الوطني.

أضاف المدير أيضا أن الجامعات تحتوي على ما يقارب ال 60000 طالب دكتوراة، الذين وإن تم دعمهم وتوجيههم على أكمل وجه فإنهم يمثلون بعد تخرجهم دعما ودفعا قويا للإنتاج الوطني، خاصة إذا ما تم استغلال هذه الطاقات لدعم المجالات التنموية والإقتصادية. علاوة على ذلك فإنه على عكس الدول المتقدمة، فإن جل تمويل البحث العلمي في الجزائر بقع على عاتق القطاع العام الحكومي يرفقه غياب نسبي شبه تام للقطاع الخاص في المساهمة في الإنفاق العلمي.

خاتمة

رغم الإرتفاع النسبي لمعدل الإنتاج العلمي الوطني خلال العقد الفائت، إلا إن أزمة البحث العلمي التي لا تكاد تخفى على أي مراقب ومواطن تعكس وللأسف نظرة المجتمع السلبية إلى أحد أهم عوامل نمو أي حضارة، مما يؤدي إلى ذلك قلة التمويل الحكومي، وشبه إنعدامه من القطاع الخاص. لأجل ذلك فإن مهمة السعي للحاق بركب الحضارة تلقي بثقلها على الجامعة الجزائرية العتيقة وتجعلها العماد الأساسي لأي نهضة علمية وطنية ومحاولة لبناء جسر أساسي بين البحث الجامعي ومجالات الزراعة والصناعة سعيا إلى نهضة إجتماعية وإقتصادية وطنية شاملة.

ملاحظات:

  • قد يتعسر على الباحث إيجاد أو تحديد تقييم عام وشامل للبحث العلمي في الجزائر أو أي دولة في العالم بمجرد البحث في التقارير السنوية أو الدورية

للبنك الدولي، موقع اليونسكو، أو حتى الصحافة المحلية، وذلك لتشعب مجالات البحث من جهة، وشح المصادر الرسمية من جهة أخرى.

  • هذا التقرير قد لا يشمل المشاريع العامة أو الخاصة والتعاونيات الدولية التي شرعت بها الحكومة حاليا وإنما يلقي الضوء على إحصائيات السنوات الفائتة خاصة المتعلقة بعدد الأوراق البحثية المنشورة.
  • المصادر الرئيسية:

[1]  الجامعة والبحث العلمي من أجل التنمية: إشارة إلى الحالة الجزائرية ـ  زرزار العياشي سفيان بوعطيط، جامعة سكيكدة  arsco.org

[2] البحث العلمي في الوطن العربي .. مقارنة مع دول الجوار –  arsco.org

[3]البحث العلمي في دول المغرب العربي (2001-2015) –  arsco.org

[4] البحث العلمي في الجزائر –  arsco.org

[5]SCImago. (2007). SJR – SCImago Journal & Country Rank. Retrieved Dec 11, 2015, from http://www.scimagojr.com

[6] البنك الدولي ــــــــــ The World Bank

[7]  المحور اليومي: البحث العلمي في الجزائر يحتاج إلى إرادة حكومة قوية

[8] البوابة الجزائرية للطاقات المتجددة: عدد الباحثين في الجزائر سيقارب 80 ألف في آفاق 2020

[9] الإذاعة الجزائرية: بحث علمي: القانون الجديد يكرس البحث في القطاع الإجتماعي والاقتصادي

[10]  الحياة : أوراغ : “30  ألف باحث شامل في الجزائر عدد ضئيل جدا”